بحـث
المواضيع الأخيرة
دخول
دراسة تحليلة الجزء التاسع والاخير
صفحة 1 من اصل 1
دراسة تحليلة الجزء التاسع والاخير
أواصل العرض:
عاش الخليل أبن أحمد الفراهيدي علي طول ثلاثة أرباع القرن الثامن الميلادي
الأخيرة. و كان مولده و ترعرعه في مدينة البصرة. و كان أهم ما يشغل الخليل
أبن أحمد في حياته نظراته الفاحصة في اللغة العربية و نحوها، و في الشعر
العربي و موسيقاه الداخلية. و ان الواحد منا - نحن أبناء القرن الواحد
و العشرين - اذا ما كر راجعا ليقع منه النظر علي رجل في علم الخليل
و في علمية نظره، لتأخذه الدهشة مما يري. فمثل هذا الذكاء الخارق و هذه
المنهجية في النظر و التصنيف و الوصول الي القواعد الصحيحة، لو كان هذا
كله في عصرنا نحن، لأصبح الرجل بغير أدني شك من أئمة علماء الذرة، أو
أعلام التكنولوجيا. فالعبقرية أداة فعالة في أي مناخ وضعتها. و ما ظنك
برجل يضع للغة العربية أول معجم. ( بل يعتبر معجم العين الأول في تاريخ
البشرية ). لأول مرة في التاريخ يجمع الخليل أشتات المفردات اللغوية
بقدرما مكنته ظروفه. و لأول مرة وضعها في معجم، و ليس قبله معجم يحتذيه.
ثم نزداد ذهولا عندما نجد الرجل يبتكر طريقة فريدة في ترتيب الألفاظ في
معجمه. فلقد وجد الخليل بين يديه طريقتين في ترتيب أحرف الهجاء، فهناك
الطريقة التي تسمي الأبجدبة، و هي التي ترتب الحروف علي غرار ما تردد في
هذه الكلمات: أبجدهوز حطي كلمن سعفص قرش تخذ ضظغ. و هناك أيضا الطريقة
الأخري التي ترتب الحروف علي هذا النحو: أب ت ث.... الخ. فلا أخذ الخليل
عند تصنيفه لمعجمه الأول بالطريقة الأولي، و لا أخذ بالطريقة الثانية.
اذ لعله لم يجد فيهما أساسا علميا، فهما ترتبان الحروف بشكل عشوائي
لم ترضه نظرته المنهجية. فابتكر الخليل لنفسه طريقة ثالثة تقام علي أساس
علمي لا محل فيها لاختلاف النظر، و ذلك أنه رتب الحروف بحسب مخارجها عند
النطق، فأقصاها مخرجا يرد أولا في الترتيب، و أدناها الي الشفتين يرد اّخرا.
و ما بين الأقصي و الأدني ترتب الحروف بحسب المخارج المتعاقبة. فكان أن وجد
لها هذا الترتيب: ع ح ه خ غ ق ك ش ض ص س ز ط د ت ظ ذ ث ر ل ن ف ب م أ ي.
و اني لأدعوك أيها القارئ مرة أخري الي النظرة المتمهلة لئلا تفوتك هذه
النظرة العلمية من دقة النظر و موهبة في ادراك الصوت، يحتاجه انسان لتعقب
الحروف المختلفة الي مخارجها عند النطق بها ليري أيها أقصي الحلق و أيها أدني.
ثم ماذا بعد فراغه من الترتيب؟ لم يكدس الخليل الالفاظ بعضها الي بعض كأنها
الغلال المكومة، بل قام بحصرها الي أنواع من حيث مبناها، و هو يستعين بما ذكره
الصرفيون من قبله من حصرهم لأبنية الكلمة، فهي اما ثنائية، أو ثلاثية،
أو رباعية، أو خماسية. تري كم صورة لفظية يمكن أن تنتجها لنا هذه الأبنية
الأربعة في تبادلها و توافيقها؟ فالعدد الناتج هو حصر كامل لصور اللفظ
العربي، من حيث الامكان النظري. ثم أخذ يضع في هذه الأقسام ما قد تجمع له من
ألفاظ مستعملة، مرتبة بحسب مخارج الحروف كما ذكرناه. و لما كان الحرف الأول
في هذه التراتيب هو العين، أسمي معجمه: " العين ".
و كما اقتضت ظروف الحياة العملية و مشكلاتها اّّنئذ جمع مفردات اللغة
و تبويبها و النظر في طريقة بنائها و تصريفها، فقد اقتضت كذلك جمعا للشواهد
من الأدب العربي القديم ليستدل منه علي طريقة استخدام اللفظة عند أصحاب
اللغة الأولين. و أين عساه يجد تلك الشواهد الا في أبيات من الشعر القديم. و يجدر
بنا أن نحيل القارئ الي بحوث فلسفية في عصرنا هذا يدافع أصحابها عن وجهة النظر
التي تقول أن معني اللغة لا يتجدد الا و هي في عبارة من ذوات اللغة، و أما اذا
افردت وحدها فهي رمز بغير معني. ( هكذا أصاب خليلنا مرتين: في المرة الأولي
حينما اهتدي الي فكرة الاستشهاد من اللعة لمعرفة معاني مفرداتها، و في المرة
الثانية باستخدامه لشواهد من الشعر العربي القديم.
تمتع الخليل بحساسية مفرطة للصوت و النغم و الايقاع. فبعد أن فرغ الخليل من
النظر في لغة العربي - كيف بنيت ألفاظها، و كيف ينبغي أن تبني. و بعد أن
استعان
الخليل في تقصي معانيها بشواهد من الشعر العربي القديم، كان من الطبيعي أن
يهديه فكره الي أن يستخرج من الشعر صوره بعد تفريغها من مادتها. فاذا هذه
الصورة ما نعلمة من أوزان الشعر العربي و بحوره.
و لقد قيل أنه حدث ذات يوم أن سمع الخليل في بعض طريقه وقع مطرقة علي طست،
و كان عندئذ يردد لنفسه بيتا من الشعر. ( ينبغي أن نشير هنا أن الخليل كان
ملما بصور اللفظ العربي استنادا علي أصوله اللفظية الاربعة القائمة من أصل
الفعل الذي تقوم عليه كلمات اللغة العربية، سواء كان الفعل ، أو ثنائيا،
أو ثلاثيا، أو رباعيا، كنحو: فع، فعل، فعلل، و فعلّل ( بتشديد اللام الثانية )،
فاذا المقارنة بين ايقاع المطرقة و بين ايقاع ألفاظ البيت الشعري في مسمعيه تلمع
في ذهنه كالقبس. و هكذا جاءته الفكرة بأن يقطغ الشعر تقطيعا أدي به في نهاية الأمر
الي اكتشاف و حصر بحور الشعر العربي. فاللهم ان كان الذكاء قوامه - كما يتفق
علي ذلك عدد كبير من علماء اليوم - لمح التشابه و التباين بين الاشياء و الأفكار
والمواقف، فماذا تقول في ذكاء لمح التشابه بين صوت مطرقة علي طست، و بين وزن
بيت من الشعر يردده بحيث كان فاتحة لتأسيسه علم أشبه بالعلوم الرياضية في صورته
و دقته و دوام صوابه علي امتداد القرون. ( ان اكتشاف هذه القواعد الثابته في
الموسيقي الداخلية للشعر العربي التقليدي ليقف شاهدا علي جمال و روعة و تميز
لغتنا العربية، لغة القراّن، بين لغات الأمم الانسانية الاخري ).
مواضيع مماثلة
» دراسة تحليلة الجزء الاول
» دراسة تحليلة الجزء الثاني
» دراسة تحليلة الجزء الثالث
» دراسة تحليلة الجزء الرابع
» دراسة تحليلة الجزء الخامس
» دراسة تحليلة الجزء الثاني
» دراسة تحليلة الجزء الثالث
» دراسة تحليلة الجزء الرابع
» دراسة تحليلة الجزء الخامس
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
2011-06-10, 22:16 من طرف بابكر أحمد عوض السيد
» من أروع القصص .. لا تنسوا تصلوا على الرسول صلى الله عليه وسلم.. البصلي على الحبيب ما بخيب
2010-10-09, 02:41 من طرف yussri
» شخصيات من امدوم
2010-10-09, 02:29 من طرف yussri
» سنوات الملح (د.رانيا حسن )
2010-10-09, 01:32 من طرف yussri
» اثر هجرة ابناء امدوم للخارج؟
2010-09-09, 15:09 من طرف biba
» مضوي امدوم
2010-07-28, 00:54 من طرف yussri
» البكاء
2010-07-14, 00:21 من طرف yussri
» مـــسابقة القصائد الشعرية والقصص القصيرة
2010-06-25, 15:05 من طرف yussri
» اغاني الحماس
2010-06-12, 00:53 من طرف yussri
» ما اجمل شعراء السودان حينما يقول احدهم :السيف في غمده لا تخشى بواتره ولحظ عينيك في الحالين بتًار
2010-06-12, 00:31 من طرف yussri
» صرخة الحب
2010-06-08, 14:44 من طرف tooffeemilk
» رموز وشخصيات من ام دوم
2010-05-17, 05:16 من طرف تشافين
» قصيدة للراحل المقيم الشاعر ابوامنه حامد ........ (كانت معي )
2010-05-02, 11:30 من طرف الكوارتي
» قصيدة للراحل المقيم الشاعر ابوامنه حامد
2010-04-29, 12:49 من طرف الكوارتي
» أبو امنة حامد
2010-04-29, 11:53 من طرف الكوارتي